هل تعليم إدارة المال للأولاد فعّال؟

بعد فترة وجيزة من بدء العمل بالتدريب على إدارة الأموال للعمّال المهاجرين في هونغ كونغ، اتصل بنا بعض الآباء ليسألوننا عن إمكانية تدريب أولادهم. فقمنا بتصميم و تحريك ورش عمل بعد المدرسة  إستمرّت لعدة سنوات، حتى  طُلب مني يوماً ما تنظيم سلسلة من التدريبات خاصة بمجموعة صغيرة من الأولاد، أعمارهم عشر سنوات،و ذلك في شقة لأحد الأهالي. و  هكذا  قمنا بتمرين عملي على أولويات الإنفاق، ومناقشة القضايا الهامة المتعلقة بها، وكيفية التوفير لتغطية نفقات المستقبل … وهذا حصل في غرفة مكدّسة بالألعاب حتى السقف. عندما إنتهيت، تساءلت بجِديّة عما إذا كان الأولاد قد تمثّلوا حقاً (وليس فقط فهموا بالعقل) ما يجب عليهم القيام به.

الأولاد يتعلمون بمشاهدة الناس حولهم، خاصةً نحن الأهل. هم يقلّدوننا، يتمثّلون تصرفاتنا و يردّدونها من خلال ألعابهم و  تداخلهم مع غيرهم من الأولاد.

ولكن هل نحن (الأهل) أوصلنا الرسالة الحقيقية؟ ماذا يفهم الأولاد عندما لا نقول “لا” حينما يريدون شيئاً ما،  عندما نشتري لهم شيئاً صغيراً عند التسوّق، و عند الذهاب إلى المركز التجاري كَنُزْهة عائلية؟ هل نريدهم أن يفهموا بأنّ المال غير محدود، و بأنّ التسوّق هِواية، و بانّ غاية الحياة الإنفاق؟

ماذا يفهمون عندما نكافئَهم بالمال لتوضيب غرفهم أو لحصولهم على درجات جيّدة؟ كأهل، تقديم أنفسنا كمثال أقوى من الوعظ. في تَجرُبة حول الكرم، العالم النفسي جان- فيليب روشتون خبِر بأن الاولاد الذين يشاهدون كباراً  يتصدّقون بالمال، هم أكثر كرماً  – على المدى القصير و الطويل – من الاولاد الذين سمِعوا وعظاً لعمل الخير. إذن، إذا كانت مؤسسّتكم تقدّم برامج تربَويّة مالية، فكّروا أولاً بالتركيز على الأهل.  أضِف إلى ذلك، في عمر ست سنوات،  إذا كان الولدُ ، قد أمْضى حوالي 26000 ساعة مع اهله ( 12 ساعة يومياً – مستيقظاً – مضروبة ب ستة و  مضروبة ب 365 يوم ) كيف يُقارن هذا ب 3 ، 12 أو 20  ساعة برنامج  تربَويّ مالي؟

إذا أردتم مرةً ما تعليم الأولاد مباشرةً، يجب أن يَتُمّ ذلك ضِمنَ برنامج تعليمي لِلأسرة حيث يشارك جميع الأفراد بمختلف التدريبات ليصبح بالإمكان تَطبيقها في البيت. و إذا كان التدريب خلاف ذلك، فيصبح مضيعةً للوقت والمال.

 

ماذا نريد من  أولادنا أن يعرفوا عن المال؟   من المهم أن يعرفوا  المهارات الأساسية مثل كيفية تحضير المُوازَنة أو قراءة كشف حساب مصرفي، أو الحصول على معارف تقنية بشأن البنوك أو مؤسسات التأمين. ولكن هل هذا هو الشيء الوحيد الذي نريد لأبنائنا أن يفهموه عن المال؟ لماذا نريدهم أن يتعلموا إدارة المال؟ تخَيَّل: إنك تعطي طفلك مصروف جيب  أسبوعي،عندها يضبط الميزانية و يخطّط للنفقات، وحتى أنه يوَفِر القليل للكلية. و قد تستغرب  من قدرته لإدارة النفقات والتوفير مع أن المصروف الذي  أُعطيَ  له صغير. إذن يوماً ما، تطلب من طفلك دفتر حسابه : فترى أن كل شيء  قد سُجّل بدِقّة – الدخل والنفقات، و أن طفلك سعيد لتوجيهك إلى التفاصيل: القرطاسية تبدو رخيصة حقا. “آه نعم، سيدة المخزن ليست جيدة في الرياضيات، وأكثر من مرة، كانت  تخطيء عندما تُرجِع  لي النقود. “وماذا عن الإيرادات الأخرى؟ ” أصدقائي ينقصهم المال دائماً،و أنا أُقرضهم إيّاه و أكسب الفائدة.” كيف تريدون أن يُدير أولادكم المال؟ هل من الممكن تعليم إدارة الأموال دون الحديث عن الأخلاق؟

تعليم الأولاد ليس لمجرّد اِكتساب المهارات. الفساد والتهرُب الضرِيبي والقمع أ ليست هي قضايا مالية أهَم بكثير من عدم معرفة تنظيم ميزانية؟ لتربية الأولاد تربية مالية مسؤولة، يجب أن نبني قيم أساسية قوية: المال هو حول الثِقة والصدق والمسؤولية. كآباءٍ، يجب علينا أن نجسّد هذه القيم إذا كنا نتوقع من أولادنا أن يجسدوها  هم أنفسهم. لماذا نطلب من أولادنا  أكثر ممّا نطلب من أنفسنا؟ التحدّي الرائع للوالدين هو أن أولادنا يساعدوننا لنصبح أشخاصاً أفضلَ و أكثرَ نُضْجاً  لأنّهم موهُوبين بتسليط الضوء على نفاقنا: نحن لا نفعل تماما ما نقول … و  نَجِد طناً من الأعذار لتبرير تناقضاتنا. الثقة على وجه الخصوص أمر مهم: احتَرِم كلامك: إذا وعدت نفذ وعدك . قيمة أساسية أخرى هي غرس الوضوح في نفوس الأولاد لأنّ المال يدمر العلاقات بسهولة – بين أفراد الأسرة، أو شركاء العمل، أو الأصدقاء – في كل مرة تكون النتيجة غير واضحة. مفهوم أساسي آخر هو أن المال في دورة مستمرّة: دخل شخص ما هو انفاق شخص آخر. المال هو أداة للعِلاقات. بالإضافة إلى مراقبة أنفسكم وسعيكم إلى أن تكونوا نموذجاً مِثالياً، يمكنكم أيضا استخدام “تعويذة المال”. هل تتذكرون دائما عبارات أو أقوال كان أجدادكم يكرِّرونها في مناسبات مختلفة؟في كل مرة كان عليّ إعادة عمل منزلي أو إعادة واجبات مدرسية من البداية، أتذكر دائماً ما كانت تقوله أمي   “العمل و هدْم العمل، هو عملٌ  بعينه، قالت جدتي” ،هذه حكمةٌ  عبرت أربعة أجيال أو أكثر. إبنوا تعويذاتكم المالية الخاصة واستخدموها في أكثر الأحيان. أنتم و أولادكم في وقت لاحق من حياتكم سوف تعترفون بالجميل لهذه الحكم عن المال بدلاً عن أيّة شعارات دِعائية (و ما هو محزِن، هو أنّني  لا زُلت أتذكر بعض الأعلانات بعد 40 عاما – وهذا يدلّ على مدى قوة الكلمة)؛ وهذه بعض الأفكار: “لعبة باهظة الثمن لا تعني صديقا عزيزا.” ” المال هو أداة وليس هدفا “،” أن تملُك لا يعني أن تكون”. ” “نفقات شخص ما هي دخل لشخص آخر”.

 العمل الجَماعي: عندما يكون للوالدين أنماط مختلفة  للنفقات أو لإدارة الأموال، فهما يرسلان رسائل مختلطة للأولاد و هما يؤثران على كيفية فهم الأولاد لإدارة المال. الأولاد أذكياء و يستخدمون  تناقُضاتنا لصالحهم ، أنهم يعرفون من يسألون لشراء شيء يريدونه على سبيل المثال. التعاون مع زوجك أو زوجتك على إدارة المال، سيكون مثالاً جيدا لأولادك في وقت لاحق عندما يتزوجون.

تحدث مع أولادك: أحيانا ما نُمَرِرَه عبر سلوكنا قد يتطلّب تفسيرات إضافية. ساعدوا أولادكم على قراءة العالم من حولهم: إنهم محاطون بالكثير من السلع للشراء وخصوصا الأموال الافتراضية (البطاقات البلاستيكية مثلاً) – إنها بيئة صعبة! أجدادنا مرروا إلى أولادهم معارفهم  عن النباتات والحيوانات الخطرة …هل نحن نحذّر أولادنا من مخاطر الديون، والإفراط في الاستهلاك، والاحتيال المالي ونتائج السلع المنخفِضة الثمن على العمّال الذين ينتجونها و على البيئة؟ ابنوا الفكر النقدي عند أولادكم حتى يتسنّى لهم فهم الفرق بين الإعلان والإعلام مثلاً،  أو ساعدوهم لتِبْيان وِجْهَتَيْ كلّ صفقة ( من أين يأتي المال و إلى أين يذهب) بدلا من أن يروا فقط أنّ “هذا الشيء هو لي أنا”؟

إشرك أولادك: تخيل أن لديك ابن ذو 18 سنة و لم يركب دراجة أبدا : تعطيه واحدة قائلا له: ” هذه دراجة: لديك 100 كيلومترا حتى الجامعة.”  هذا هو بالضبط ما نفعله إذا كنّا لا نُعطِ الأولاد الفرصة للتدرُّب على إدارة الأموال. بإمكانِنا  أن نشجّع  على الأمانة والمسؤولية من خلال دفْع أولادنا للتبضُع: أعطهم تعليمات واضحة حول ما يجب شراءه، أطلب منهم أن يسجّلوا ما أنفقوا، و أن يعيدوا لك ما تبقى من النقود. عِدْ النقود لمعرفة ما إذا كان هذا صحيحاً. عندما يعتاد الأولاد على شراء البقالة على سبيل المثال، يمكنك أن تطلب منهم تقدير المبلغ الذي يحتاجونه لهذه المهمة. و هكذا تكون قد منحتهم الفرصة للتدرُّب على تنظيم الميزانية والحصول على فكرة عن الأسعار. إشركهم في قرارات الإنفاق الأسَري – سواء كان ذلك للَّوازم المدرسية، أو للعطلة المقبلة أو لشراء جهاز كمبيوتر. ابحثوا و قارنوا معاً مختلف الخيارات، وناقشوا المعايير التي يجب عليكم أن تأخذوها بعين الإعتبار قبل التقرير، مع  البقاء الواضح حول من يملك الكلمة الأخيرة إذا لم تُجْمِعُوا على القرار. إعطيهم جزءاً من ميزانية الأسرة لإدارته، على سبيل المثال، وجبات الطعام في عطلة نهاية الأسبوع.  و مع تقدمهم في العمُر، علِّمهم مهارات القراءة والتدقيق في كشف حساب مصرفي، و المقارنة بين الهواتف المختلفة لإختيار الأفضل منها ، الخ…

مصروف الجيب أم لا؟ مصروف الجيب هو وسيلة لأولادكم لتعلّم إدارة الأموال. اسمحوا لهم  أن يجرّبوا و أن يُخطئوا ما دامت نتائج الأخطاء معدومة تقريباً.هناك بعض الأشياء للتعلم:  حُفظ المال في مكان آمن، فَرز الأوراق النقدية، دفع النقود عند التبضُّع، الإنتظار لتوفير المال قبل شراء  ما يريدونه، تسجيل النفاقات و التخْطيط للإيرادات و النفاقات المستقبلية. لا تعطوهم المال نقداً فقط و لكن إتركوهم أن يتعلموا تنظيم الأموال الإفتراضية إن كان عن طريق  فتح حساب مصرفي أو  إن كان عن طريق حفظ مصروف الجيب لدى الأهل. ( يمكنكم الإحتفاظ  بالتفاصيل في الحاسوب و إعطاء كشف بالحساب كل شهر).لا تتدخلوا في خياراتهم: سيتعلمون من أخطائهم.

 ومع ذلك، يمكن لمصروف الجيب  أنْ يعطي صورة مشوهة عن الواقع و يشجّع على الإنفاق:  أسر عديدة تعطي مصروف الجيب كملحق في حين أن جميع النفقات الأخرى لا تزال تُدفع من قبل الوالدين. إذن، مصروف الجيب لا يعلّم الأولاد الفرق بين النفقات الضرورية وغير الضرورية … أنه يخدم فقط لشراء ما لا لُزوم له أو حتى يشجّع  على الإنفاق الغير ضروري. كونوا واضحين مع أولادكم حول ما تتوقعونه  منهم أن يدفعوا بمصروف الجيب وعندما يكبرون، إنقِلوا إليهم المزيد والمزيد من المسؤوليات: دفع نفقات الهاتف والغداء والملابس والكتب المدرسية والقرطاسية والترفيه … ولا تغيّروا القواعد إذا قلّ مالهم. بينما، مشاركة أولادكم في قرارات الإنفاق العائليّ لربما  هو أكثر فعالية من مصروف الجيب (انظر أعلاه).

كونوا حذيرين بشأن المكافآت المالية. إذا قمتم بربط الأعمال المنزلية بحافز مالي، ماذا سيحدث إذا توقفتم عن دفع المال للأولاد ؟ و هل  مدفوع لكم أنتم للقيام بهذه الأعمال المنزلية؟ ومع ذلك، قد تفكرون في الدفع لأولادكم لأداء مهام محددة استثنائية و التي قد تدفعون لطرف ثالث لإتمامها (غسيل السيارات،العمل الحدائقي ، والمساعدة  على الكمبيوتر …) و للأولاد أن يكونوا خلّاقين و أن يعثروا على أفكار عمل حول البيت لكسب  المال. إحذروا من ربط الأداء الأكاديمي بمكافأة مالية. هل سيدروسون للامتحانات بجدّية فقط من أجل المال؟

حوِّلوا حالات الحياة اليومية بقدر المستطاع  إلى فرص تعلّم محتملة:  عند أخذ الحافلة (حساب التكلفة ذهاباً و إياباً ، المقارنة مع غيرها من وسائل النقل …)، عند اختيار الأغذية (النظر أولا إلى ما هو موجود في خزانة المطبخ أو الثلاجة، وكتابة قائمة بالبقالة، والكلفة …)،  عند التخطيط للاحتفالات العائلية السنوية (الميزانية والتفكير في معنى العيد لعائلاتكم…) عند التبرّع لجمعية خيرية (من و كم؟) ، عند نفقات المدرسة والملابس والمعدات … خذوا أولادكم معكم إلى البنك. أشرحوا لهم كيف أنّ السرية والثقة يتكاملان. قولوا “لا” – هذا أقوى أداة لضبط الحدود، وخصوصا للاستهلاك، ولتعلم كيفية إدارة الإحباط. كل طفل مختلف عن الأخر، لذلك إذا كنتم تشعرون بأن أحد أبنائكم يميل إلى أن يكون بخيلاً، يمكنكم إشراكه أكثر عند التبرّع لجمعية خيرية، على سبيل المثال.

المال ليس كل شيء، إشراك الأولاد في قرارات محددة لا يعني تحويل علاقتكم إلى علاقة “نقدية”. . ارسموا خطاً واضحاً – وقتكم معاً لا يمكن إستبداله بمنتج استهلاكي: هديةً ما لا تحل مكان الأهل أبدا. عندما يحتاج طفلكم لوقت معكم، أجيبوا على طلبه بحضوركم و إهتمامكم … وليس بشيء أخر، حتى لو كان لدقيقتين الآن، ووعد بنصف يوم في الأسبوع المقبل. سجّلوا و احترموا وعدكم. مساعدة الأصدقاء والجيران … لا يمكن أن تتحول على نحو منتظم إلى خدمات مدفوعة. كلما أشركتم أولادكم في القرار، أو كلما ساعدتموهم عندما يطلبون المشورة، ناقشوا كل الجوانب الممكنة لذلك: التبعات المالية لأية قررات و أيضا تأثيرها على الآخرو على حياتنا و على البيئة. شيئا فشيئا، من خلال أمثلة وتوجيه الوالدين، يمكن للأولاد تعلم الإبحار في مجتمعنا وعلى الأرض، بما في ذلك (ولكن ليس حصرا) الجوانب المالية، و يكمنهم التّرقيّ بعقولهم وقلوبهم

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

3 × three =